السينودس المقدس للكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك ٢٠١٤

كلمة غبطة البطريرك غريغوريوس الثَّالث في افتتاح سينودس كنيسة الرُّوم الملكيِّين الكاثوليك

١٦ ٦ ٢٠١٤



بروتوكول 346/2014ع عين تراز

في 16/6/2014



كلمة غبطة البطريرك غريغوريوس الثَّالث
في افتتاح سينودس كنيسة الرُّوم الملكيِّين الكاثوليك
عين تراز – لبنان
16 حزيران 2014


إنَّها فرحة اللقاء السنوي في هذا السينودس المقدَّس، الذي هو عمل كنسي بامتياز. إنَّنا نأتي من أبرشيَّاتنا إلى السينودس المقدَّس، ومن السينودس ننطلق إلى أبرشيَّاتنا. فنحمل إلى السينودس أبرشيَّاتنا: أوضاعها– مشاريعها – آمال وآلام مؤمنينا – مشاكلهم...




ونعود إلى أبرشيَّاتنا حاملين آمالاً جديدة ورؤية جديدة.

وهكذا نساند بعضنا بعضًا وندعم بعضنا بعضًا ونتضامن ونتقوَّى بالرُّوح القدس الذي يسند ضعفنا، ونضع معًا برامج عمل ومشاريع بنيانٍ روحي ومدنيّ، وهكذا تحقِّق كنيستنا برنامج وشعار السينودس لأجل الكنيسة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة.

هذا هو معنى عبارة سينودس: الطريق معًا! والسير على الطريق معًا!

سينودسنا هو عادي وهو السينودس السنوي. موضوعه الأساسي مستوحى من الإرشاد الرسولي من قداسة البابا فرنسيس: "فرح الإنجيل". نستوحي منه ما ينير درب خدمتنا في الكنيسة والمجتمع، يقدِّمه لنا الآباء ونناقشه في حلقات.

وبالإضافة إلى ذلك سينودسنا إنتخابي.سنتابع دراسة أسماء من نرى فيهم صفات الراعي الصالح، لأجل ضمانة مسيرة الكنيسة. وبالتحديد سننتخب مطرانًا لأبرشيَّة الجليل التي شغرت باستقالة سيادة المطران الياس شقور الموقَّر. وعلينا أن ندرس أوضاع أبرشيَّات أخرى ونأخذ بشأنها القرارات المناسبة. وهناك مواضيع قانونيَّة وإداريَّة ورعويَّة وليترجيَّة...

وعلينا أن نستعرض الأوضاع الصعبة جدًا والمأساويَّة التي تمر بها بلادنا، ولاسيَّما سورية. فلبنان في مأزق كبير، في فراغ السلطة الأولى، رئاسة الجمهوريَّة. ومن هذا السينودس ندعو كلّ لبناني، ونواب الشعب أن يكونوا على مستوى مسؤوليَّاتهم بأن ينتخبوا رئيسًا للجمهوريَّة في أقرب وقت. فلا نتآلف مع الفراغ الذي يسبِّب شللاً ذريعًا في البلاد، ويؤثِّر سلبًا على مصالح المواطنين في كلّ قطاعات حياتهم.

ولا تزال الدماء تسيل في العراق الحبيب، وقد تزايدت عليه الهجمات التكفيريَّة. ونأمل لمصر أن يعود الأمن نهائيًا إلى ربوعها مع رئيسها الجديد، الذي نقدِّم له التهاني. كما نتمنَّى الأمان والاستقرار لباقي بلادنا العربيَّة، ولكلّ بلد نال حصَّته من الاضطراب والمعاناة.

وماذا نقول عن سورية وأزمتها في عامها الرابع، ودرب آلام شعبها بكلّ أطيافه وطوائفه! إنَّه دربٌ دامٍ، مؤلم، طويل، مظلم... دمارٌ أسطوري طال الحجر والبشر! المخطوفون (ومنهم لاسيَّما المطرانان بولس يازجي ويوحنّا ابراهيم، وكهنة، ومدنيون كثيرون، منهم من أقاربنا وأصدقائنا ومعارفنا...). والضحايا (أكثر من مئة ألف، ومنهم أكثر من ألف من رعايانا)، والنازحون (تسع ملايين، منهم 450 ألف من رعايانا). نازحون داخل البلاد وخارجها في البلدان المجاورة، لاسيَّما لبنان الحبيب المضياف الكريم، وإلى أبعد من ذلك المهاجرون إلى بلاد الله الواسعة... قرانا مهدَّمة مهجورة، حوالي 24 بلدة، منها حمص والقصير ومعلولا وداريا (بلدتي) والزبداني وحرستا... وآلاف البيوت المهدَّمة والمتاجر والمصانع والحوانيت... والأملاك والمواسم المحترقة والكنائس المتضرِّرة أو المهدَّمة... وقد أحصيتُ منها حتى أوائل العام الجاري 2014، "91 كنيسة"، منها 37 كنيسة للرُّوم الكاثوليك! وسيقدِّم لنا السادة مطارنة سورية تقارير عن أبرشيَّاتهم بالتفصيل.

علينا أن نتضامن كلّنا هنا في البلاد العربيَّة وفي بلاد الانتشار. وأقترح أن نطلق نداءً خاصًا باسم السينودس المقدَّس، نتوجَّه به إلى كلّ فرد من أبنائنا، لاسيَّما في المهاجر لكي نضعهم أمام مسؤوليَّاتهم الجسيمة، بأن يدعموا جهود كنيسة سورية لكي تقوم بدورها الهامّ جدًا في بناء الحجر والبشر! في إعادة الإعمار، وفي طرح رؤية مسيحيَّة وطنيَّة لسورية المستقبل...

وقد نشرتُ وثائق كثيرة في هذه السنوات، وقمتُ برحلات كثيرة، وشاركتُ في مؤتمرات ولقاءات، وألقيتُ محاضرات... وكتبتُ رسائل لقداسة البابا وللمجالس الأسقفيَّة في العالم لأجل إسماع صوت كنيسة سورية، ولأجل الحصول على الدعم الذي يمكِّن الكنيسة في سورية من متابعة خدمتها الممتازة التي تقوم بها تجاه رعايانا في معاناتهم الخانقة. وإنَّني أشكر هنا إخوتي مطارنة سورية الرُّوم الكاثوليك، ومن باقي الطوائف الذين كلّهم أظهروا غيرة متميِّزة وبذلوا جهودًا جبارة في سبيل تخفيف معاناة الناس! وبقوا إلى جانب شعبهم! وشاركوا في مؤتمرات ولقاءات وندوات لأجل إظهار حقيقة الأزمة في سورية.

ولا يمكننا أن ننسى معاناة إخوتنا وأخواتنا، وشعبنا الفلسطيني. إذ أنَّنا نعتبر مفتاح المستقبل الأفضل لهذه المنطقة ما قاله قداسة البابا فرنسيس أثناء زيارته للأرض المقدَّسة: المفتاح هو الحلّ السلمي لسورية والعدالة للشعب الفلسطيني! وهنا لابدَّ من كلمة شكر لقداسة البابا على مداخلاته وذكره المتكرِّر الدائم لأجل سلام الأرض المقدَّسة وسورية والشرق الأوسط. كما نشكر له صلاته لاسيَّما يوم السابع من أيلول.

ونشكر قداسة البابا والمجمع الشرقي والمؤسَّسات المسيحيَّة ولاسيَّما الكاثوليكيَّة، على تضامنها ودعمها لنا في محنة بلادنا وشعبنا.

ونحبّ أن نذكر هنا أنَّنا قدَّمنا إلى قداسته رسالة وقَّع عليها البطاركة السبعة الشرقيون الكاثوليك. طالبين أن يعمل قداسته على تحديد يوم محدَّد ثابت لعيد الفصح المجيد. وقد عبَّر عن هذه الأمنية قداسة البابا تواضروس الثاني للأقباط الأرثوذكس، وغبطة البطريرك مار أفرام الثاني للسريان الأرثوذكس.

ونشكر أبرشيَّاتنا ورهبانيَّاتنا الرجاليَّة والنسائيَّة على دعمها. ونشكر بنوع خاص أبرشيَّة نيوتن، وراعيها سيادة المطران نيقولا سمرا، الذي جنَّدالأبرشيَّة كلها للمساعدة.

نرحِّب بسيادة أخينا المطران إدوار ضاهر مطران طرابلس، خلفًا للمثلَّث الرحمة المطران جورج رياشي.

ونرحِّب بسيادة أخينا المطران نيقولا أنتيبا مطران خبب الجديد، مع أطيب الأماني له. ومع شكرنا لسلفه سيادة أخينا المطران بولس برخش.

 ونرحِّب بسيادة أخينا المطران ابراهيم سلامة مطران الأرجنتين، خلفًا لسيادة المطران عبدو عربش الذي انتُخب مطرانًا على أبرشية حمص.

ونرحِّب بسيادة أخينا المطران جوزيف جبارة، المساعد لسيادة المطران فارس معكرون.

كما نهنئ الرؤساء العامّين الجدد، وهم الأرشمندريت أنطوان ديب الرئيس العام للرهبانيَّة الباسيليَّة المخلصيَّة، والأرشمندريت الياس معلوف الرئيس العام للرهبانيَّة الباسيليَّة الشويريَّة، والأب جورج خوام الرئيس العام لجمعيَّة الآباء البولسيين. ونرحِّب بهم في السينودس.

حضور ودور

بالرغم من هذه الظروف الصعبة المأساويَّة، لا بدَّ لنا أن نبقى إلى جانب شعبنا ماديًا وروحيًا. وكما قال لنا قداسة البابا: "لا تتركوا شعلة الأمل تنطفئ في قلوبكم". وقال لنا أيضًا: "لا تفقدوا شجاعة الصلاة".عملنا الكنسي الأكبر اليوم هو أن نحافظ على حضورنا ودورنا في بلداننا وأوطاننا العربيَّة. حيث يطلب منا أن نكون فيه ومعه كما أوضح القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني: "إن جوهر الإنسان أن يكون مع ولأجل". نبقى مع عالمنا هذا ولأجل عالمنا هذا، ونكون فيه نورًا وملحًا وخميرة، لكي تكون لنا وللناس الحياة وتكون أفضل.

ولا بدَّ لنا أن نطلق من هذا السينودس، حيث يجتمع مطارنة ورعاة من البلاد العربيَّة والعالم أجمع، أن نطلق نداءً إلى رؤساء الدول، لكي يتحمَّلوا مسؤولياتهم السياسيَّة والإنسانيَّة تجاه مآسي منطقتنا المتألِّمة. وبنوع خاص نطلب إيقاف تدفُّق السلاح للفئات المتطرِّفة، إذ أصبحت سورية سوق تجارةِ سلاحٍ عالميًا!

كما نوجِّه النداء إلى رعايانا في المنطقة إلى البقاء حيث زرعنا الله، بالرغم من الصعوبات والمآسي والحروب والإجرام ونماء الأصوليَّة ورفض الآخر... مع ذلك نتوجَّه إليهم بنداء الإيمان، بنداء الآباء إلى الأبناء: لا تهاجروا! اصبروا! أصمدوا! فإنَّكم أنتم القطيع الصغير الذي على صغره له دوره الكبير!

علامة رجاء

ويطيب لي أن أخبركم أنَّ الرجاء لا يزال حيًا وقويًا في كنيستنا في سورية وفي أبرشيَّة دمشق بالذات. وهذه علامات ثلاث:

    1.    نعمل جاهدين لأجل إعادة بناء الكنائس المتضرِّرة أو المهدَّمة

    2.    بدأنا ببناء كنيسة جديدة في جرمانا، على اسم القدّيس بولس. ونأمل أن ننهي المرحلة الأولى بحلول عيد الميلاد المجيد 2014

    3.    وسنعقد المجمع الأبرشي الدمشقي الثاني على مدى 2014-2015 بعنوان: الأسرة كنيسة بيتيَّة

    4.    سنحتفل بيوبيل 150 سنة على إعادة بناء الكاتدرائيَّة البطريركيَّة، وقد تهدَّمت أثناء الطوشة 1860، وأعاد بناءها البطريرك غريغوريوس الثاني سيور عام 1864.

ندعوكم للمشاركة بهذا اليوبيل. وسيكون الاحتفال المركزي يوم عيد انتقال السيِّدة 15 آب 2014.

    5.    ونحن في صدد إيجاد الطريقة لجمع الأموال اللازمة، لكي نساعد أولادنا في إعادة إعمار بيوتهم، إلى جانب الدولة والمؤسَّسات العالميَّة. نطلب دعمكم وصلاتكم.


ختام

واسمحوا لي أن أختم كلمتي هذه بخاطرة أستقيها من الإرشاد الرسولي المذكور أعلاه: فرح الإنجيل. وألتقط بعض السنابل في حصاد وغلال هذه الرسالة:

    1.    "لا نهربنَّ من فرح القيامة! ولا نعتبرنَّ أبدًا نفوسنا مغلوبين مهما حدث" (رقم 3)

    2.    لا نكن كبعض المسيحيين "الذين يبدون وكأنهم متلبِّسون سيماءَ صيامٍ بدون فصح وقيامة"(رقم 4)

    3.    نكون حقًا "إنسانيين" عندما نكون أكثر من إنسانيين، وذلك عندما نسمح لله بأن يقودنا إلى أبعد من ذواتنا" (رقم 8)

    4.    الحياة تزداد عندما تعطى. وتضعف في الانعزال والرفاهية. إنَّ الذين ينتفعون أكثر من الحياة هم الذين يضعون الأمان جانبًا ويُشغفون برسالة إيصال الحياة إلى الآخرين" (وثيقة أباريسيدا 2007، لأساقفة أميركا اللاتينية). نحقِّق حياتنا وننضِّجها بمقدار ما نبذلها لأجل إعطاء الحياة للآخرين. وهذه هي الرسالة (المصدر نفسه). (رقم 10)

    5.    علينا ألا نتلبَّس رأسًا دائمًا كئيبًا! حتى عندما علينا أن نبذر بالدموع... بحيث نساعد عالمنا اليوم، الذي يبحث تارة في القلق وتارة بالرجاء، من أن يتقبَّل البشرى السارة، لا عن يد مبشرين حزانى يائسين، نافذي الصبر، قلقين، بل عن يد خدَّام للإنجيل، تُشعُّ حياتهم حماسًا ونالوا هم أولاً فرح المسيح (بولس السادس 1975 في الإرشاد الرسولي. التبشير بالإنجيل).(رقم 10)

إنَّ الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" هو متابعة لعام الإيمان، وسينودس بشرى الإنجيل المتجدِّدة، ولرسالة البابوين بندكتوس وفرنسيس نور الإيمان، وللسينودس القادم (في تشرين الأول) العائلة وبشرى الإنجيل.

أتمنَّى لكم جميعًا أن تنعموا بفرح الإنجيل، وفرح حامل الإنجيل بحمله إلى مجتمعه نورًا وأملاً ورجاءً وفرحًا وسلامًا!

نستمطر على سينودسنا بركات المخلِّص بشفاعة أمّنا مريم العذراء، التي نتوجَّه إليها بهذه الفقرة من الصلاة المريميَّة التي يختتم بها قداسة البابا فرنسيس الإرشاد الرسولي فرح الإنجيل:

"يا نجمة التبشير الجديد بالإنجيل. ساعدينا على أن نُشعَّ بشهادة الشراكة والخدمة والإيمان المتَّقد السخي والعدالة وحبّ الفقراء. كي يبلغ فرح الإنجيل حتى أقاصي الأرض، ولا تحرم منه أية ضاحية!

يا أمَّ الإنجيل الحيّ، يا مصدر فرح الصغار. صلِّي لأجلنا

آمين! هللويا"


 

+غريغوريوس الثَّالث

بطريرك أنطاكية وسائر المشرقوالإسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم الملكيِّين الكاثوليك