صاحب الغبطة يوسف

كلمة غبطة البطريرك غريغوريوس الثّالث الكليّ الطوبى في تقديم كتاب "المدائح" مركز لقاء في 26 شباط

٢٧ ٢ ٢٠١٤


بروتوكول 103/2014ر                             

الربوة في 26/2/2014

 

كلمة غبطة البطريرك غريغوريوس الثّالث الكليّ الطوبى
في تقديم كتاب "المدائح"
مركز لقاء في 26 شباط 2014


 

    
رافقني نشيد الأكاثِسْتُس في صلاتي اليوميَّة منذ دخلتُ دير المخلِّص العامر للترهّب. إنَّه إشادة لاهوتيّة وكتابيّة عميقة بالتدبير الخلاصيّ الذي لأجلنا. أقرأ منه مقطعًا كلّ يوم، وأتأمّل به فيصحبني مثل سبحة ورديّة. أُشيدُ من خلالها مع المؤلّف بعظائم العليّ، من خلال أمّنا مريم العذراء، التي قالت: تعظِّم نفسي الربّ!

وقد ألقيتُ مئات المحاضرات حول هذا القانون في الرعايا في ألمانيا، حيث كنت أعرض أيقونة المدائح الشهيرة في أيقونة واحدة تتفرَّع إلى 24 أيقونة، على عدد الأحرف الأبجديَّة. بحيث يبدأ كلّ بيت أو نشيد بحرف من الأبجديَّة اليونانيَّة. وترافق الأيقونة الأبيات المرنَّمة باللغة الألمانية، وبنغم روسي سلافي. وهذا على مدى 10 أو 15 سنة! إذًا هذا المديح جزء من حياتي.

أشكر الأخت الحبيبة نيفين الحاج شاهين مديرة مجلَّة Le Lien البطريركيَّة، والأرشمندريت بولس نزها، والأرشمندريت إليزيه مارزان، والأب الإيكونوموس الياس شتوي، القيّم العام البطريركي وكاهن رعيَّة سيدة البشارة. أشكر حبّهم لمريم العذراء. وهو الذي دفعهم إلى إصدار هذا الكتاب. وهو لؤلؤة ثمينة متألِّقة، بَرَزتْ في حلّة تليق بهذا النشيد المريمي الطقسي الكنسي المشرقي العزيز الفريد!

هذا النشيد هو وقفة تأمّليَّة أمام سرّ التدبير الخلاصي، الذي تحقَّق في سرّ التجسّد الإلهي، الذي اختصره الآباء القدّيسون شرقًا وغربًا بقولهم المأثور: "أصبح الله إنسانًا لكي تصبح أنتَ الإنسان إلهًا".

هذا التدبير الخلاصي هو تدبير إلهي وتدبير إنساني في آنٍ واحد. إنَّه تدبير إلهي لأنَّ الله هو مصدره: هكذا أحبَّ الله العالم حتى إنَّه بذل ابنه الوحيد، لكي تكون لكلِّ من يؤمن به الحياة، وتكون له بوفرة. وهو تدبير إنساني، "لأنَّه من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسَّد من الرُّوح القدس، ومن مريم العذراء، وصار إنسانًا".

ولهذا السبب أيضًا فإنَّ التجسّد هو سرّ المسيح وسرّ مريم. هو سرّ مسحاني وسرّ مريمي. ومن هذا المنطلق ولهذا السبب أنا أيضًا مدعو لأكون جزء من هذا التدبير الخلاصي الذي هو من أجلنا ومن أجل خلاصنا".

وهذا هو التسلسل الفريد في التدبير الخلاصي:
1-    إنَّه تدبير الله الآب
2-    إنَّه يتمّ في يسوع المسيح
3-    ويتم بواسطة الرُّوح القدس
4-    وذلك من مريم العذراء
5-    وهكذا يدخل الله في تاريخ الإنسان وتاريخ البشريَّة

هذا هو مختصر إيماننا المسيحي. وهذا هو موضوع نشيد المدائح (الأكاثِستُس) الذي يقدّمه لنا الكتاب الجديد موضوع ندوتنا. ولهذا فإنَّ إيماننا المسيحي هو مسيحي (يسوعي) ومريمي.

وهذا هو معنى وجود مريم ومكانتها في التقوى والعبادة المسيحيَّة. وإكرام مريم هو أمر جوهري في إيماننا المسيحي، وليس أمرًا ثانويًا أو اختياريًا أو إضافيًا أو عاطفيًا... هو إلزامي، يعني ملازم لسرِّ السيّد المسيح. ولا يمكن أن تكون مسيحيًا إذا لم تكرِّم مريم العذراء، لأنَّها شريكة سرّ الخلاص والفداء والتدبير الخلاصي بأسره.

ولهذا نقول بمحبَّة لإخوتنا البروتستانت أنَّ عدم وجود هذا الإكرام لأمّنا مريم العذراء في صلواتهم وتقواهم وهندسة كنائسهم، هذا نقص جوهري في الإيمان المسيحي. وهذا "يجفِّل المسيحيين منهم.

وبدون دخول مريم في سرّ المسيح، ودخول سرّ المسيح في سرّ مريم، فلا دخول لي ولك وللإنسان، كلّ إنسان، في سرّ الله الذي في المسيح يسوع.

إكرام مريم إذًا هو من جوهر إيماني المسيحي. وليس من الكماليات المضافة Cen'est pas un luxe.

    هذا هو اللاهوت المريمي. هذا هو اللاهوت الرائع المتجلّي في قانون ونشيد مدائح أمّنا مريم العذراء.

ومع احترامنا وتقديرنا ومحبّتنا لعبادة المسبحة الوردية، نقول: إنَّ المسبحة الورديّة هي مدخل صغير إلى قانون المدائح. وقانون المدائح هو شرح لاهوتي للوردية وللسلام الملائكي.

وكم هو ضروري ومفيد وخلاصي أن ينتشر قانون المدائح على مدى الكنيسة جمعاء. فهو الشرح الشعري واللاهوتي لسرّ التجسّد. وهو استعراض لكل تاريخ الخلاص من خلال مريم.

لا بل قانون المدائح هو استعراض لتاريخ خلاص الإنسان، لأنَّ مريم هي مقدمة التبشير بخلاص البشر. وإنَّ ما حدث في تاريخ الخلاص (من خلال أسفار الكتاب المقدَّس، لاسيَّما في العهد القديم) هو أيضًا يحدث للبشر في تاريخهم وحياتهم في كلِّ مراحلها.

وإذا لم يكن ما يحدث وحدث لمريم ليس ما يجب أن يتحقَّق فيَّ أنا المسيحي المعتمد باسم المسيح، فأكون أنا خارج سرّ المسيح، وليس لي علاقة بسرّ المسيح. هذه العلاقة نكتشف نموذجها ومراحلها من خلال مريم العذراء، ومن خلال أعيادها، ومن خلال آلاف الأناشيد التي صاغها آباؤنا القدّيسون. والنموذج الأكمل لذلك هو قانون المدائح. ولقانون المدائح رديف هو طلبة مريم أو الطلبات الزهرية    les litanies Laurentine في الطقس اللاتيني والماروني. ونعرفها كلّنا، وفيها ألقاب كثيرة لمريم نهديها إياها، ونجيب عليها كلّ مرة! صلِّي لأجلنا...

يا تابوت العهد. صلِّي لأجلنا.

يا زهرة الشارون. صلِّي لأجلنا.

يا أمًا عفيفة. صلِّي لأجلنا.

مع ذلك يتميَّز قانون المدائح بأنَّه يتوسَّع في شرح ألقاب مريم ووصف دورها في التدبير الخلاصي بطريقة فريدة لا مثيل لها في الأناشيد المريميَّة في المسيحيَّة كلّها شرقًا وغربًا.

يسوع إله وإنسان. ومريم إنسانة متألِّهة. وهي المدخل إلى سرّ التدبير الخلاصي. لا بل هي متابعة إنسانيَّة لسرّ التدبير الخلاصي الإلهي.

لا بل أنا وأنت ونحن... نكمِّل التدبير الخلاصي من خلال حياتنا المسيحيَّة على هذه الأرض. وهذا ما يظهر في حياة مريم وأعيادها.

-    عيد البشارة: مريم تقبل سرّ المسيح. تقول نعم لله!

-    وتقدمتها للهيكل هو بداية الدخول في سرّ الله.

-    عيد الميلاد: مريم تظهر المسيح الربّ المحبّ البشر (رسالتي لميلاد 2013)

-    عيد تقدمة يسوع إلى الهيكل:يسوع يصبح في يد سمعان... يصبح الله في يد الإنسان

-    وهذا ما يصير في سرّ الإفخارستيا، وفي ليترجيا القدّاس الإلهي: حيث يصبح الله غذاء الإنسان بالمناولة المقدّسة.

ويتغذّى الإنسان بسرّ المسيح ويعيش في حياته سرّ المسيح.

هذا هو نشيد المدائح! إنَّه نشيد التدبير الإلهي الخلاصي، الإلهي والإنساني!
وأختم ببعض التحيات والسلامات المريميَّة:

"إنَّ الخالقَ بظهورهِ أرانا خليقةً جديدة. نحن الذين أبدَعَهُم. وذلك أنَّه نَبَتَ من بطنٍ بلا زرْعٍ. وحفظهُ سالمًا كما كان. حتى إذا عايَنَّا ذلكَ العَجَبَ نُنْشِدُ هاتفين البيت 13|| السلامُ عليكِ يا مَن تُنيرُ أذهانَ المؤمنين البيت 3|| السلامُ عليكِ يا غصنًا يَحْمِلُ بُرْعمًا لا يَذْبُل البيت 5|| السلامُ عليكِ يا مَن أظهرَتِ المسيحَ الربَّ المُحبَّ البشر البيت 9|| السلامُ عليكِ يا نهوضَ البَشر البيت 11|| السلامُ عليكِ يا حنانًا يفوقُ كلَّ حبٍّ البيت 13|| السلامُ عليكِ يا مَن تَملاُ شِباكَ الصَّيَّادين البيت 17|| السلامُ عليكِ يا كنزًا للحياة لا يَنفَذ البيت 23|| السلامُ عليكِ يا خباءَ اللهِ الكلمة، السلامُ عليكِ يا قدّيسةً تفوقُ القدِّيسين، السلامُ عليكِ يا بُرجَ الكنيسة الذي لا يَتزعُزَع، السلامُ عليكِ يا سورَ المملكةِ الذي لا يُرام البيت 23|| أَيتها الأُمُّ الجديرةُ بكلِّ مَديح. يا مَن وَلَدَتِ الكَلِمةَ قدَّوسَ القدِّيسين. تقبَّلي تَقدِمتَنا هذه. ونجِّينا أَجمعينَ من كلِّ بَليَّة. وأنقذي من العقوبةِ الآتية. الهاتفينَ باتِّفاقٍ: هلِّلُويا البيت 24||"

 


+ غريغوريوس الثَّالث

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم الملكيِّين الكاثوليك