صاحب الغبطة يوسف

رساله الصوم ٢٠١٣

١١ ٢ ٢٠١٣


 

رسالةُ صاحبِ الغبطة        
البطريرك غريغوريوس الثَّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم المَلَكيِّين الكاثوليك
بمناسبة الصوم الأربعينيّ المقدَّس


من غريغوريوسَ عبدِ يسوعَ المسيح
برحمةِ الله تعالى
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
والإسكندريّة وأورشليم

إلى الإخوة السَّادة المطارنة، أعضاء المجمع المقدَّس الموقَّرين
وسائر أبنائنا وبناتنا بالمسيحِ يسوع، إكليروسًا وشعبًا،
المدعوِّين قدِّيسين، مع جميع الذين يَدعُون باسم ربِّنا يسوع المسيح، ربِّهم وربِّنا
نعمةٌ لكم وسلامٌ من الله أبينا، والرَّبِّ يسوع المسيح (1 كور1: 2-3)


التضامن في الإيمان والمحبَّة

شباط 2013
التضامن في الإيمان والمحبَّة
هلُّمَّ أيّها المؤمنون نعملْ في النور أعمالَ النور (الأسبوع الأوَّل من الصوم - غروب يوم الجمعة)
مع صومنا أيّها الإخوةُ جسديًا لِنَصمْ أيضًا روحيًّا (الأسبوع الأوَّل من الصوم - غروب يوم الأربعاء)

 

بهذه الكلمات وكثيرٍ شبيهِها، تحرِّضُنا أمُّنا الكنيسة بصوتِ وعباراتِ آبائنا القدِّيسين، داعيةً إيّانا إلى ممارسة فضيلة الصوم المباركة الذي هو ربيع النفس. وبدوري أوجِّه إلى أبناء وبنات كنيستنا الروميّة الملكيّة الكاثوليكيّة، رعاةً ورعيّة، هذه الرسالة الصياميّة بعنوان "التضامن في الإيمان والمحبَّة".

اليوم، وأمام المآسي التي تشهدها أوطاننا العربيّة، نحتاج أوَّلاً إلى التضامن، الذي عبَّر عنه بولس الرسول بهذه الكلمات: "إذا تألَّم عضوٌ تألَّمت معه سائر الأعضاء. وإذا فرح عضوٌ فرحت معه سائر الأعضاء" (1 كور12: 25 – 26). اليوم أعضاء هذا الجسد الواحد، الكنيسة كلُّها أو أكثرها متألِّمة! أعضاء الوطن متألّمون، عائلاتنا متألّمة...

ولهذا، فكلّنا مدعوّون إلى التضامن كما تدعونا إليه صلوات الصوم حيث نقرأ: "إِنَّ راحمِي الفقراءِ يُقرضُونَ المخلِّصَ بعقلٍ حصيفٍ. كما قيل. فيا لهُ فرحًا لا يوصف. لأنَّهُ يَمنحُهُم بسخاء. جزاءَ الحسَناتِ إلى جميع الدُّهور" ( الثلاثاء بعد مرفع اللحم ).

ونقرأ أيضًا: "لنَصْعدْ كلُّنا بالصِّيام. إلى طورِ الأعمالِ الحميدَة. مغادرينَ عَثَرات اللَّذات الأرضيَّة. وَبولوجِنا في غمامِ المناظرِ العقليَّةِ الشريفة. نُشاهدُ جمالَ المسيحِ المشتهى وحدَهُ. متألِّهينَ بالمراقي الإلهيَّةِ سرِّيًا" ( الثلاثاء من الأسبوع الأول من الصوم ).

وأيضًا: "معَ صَومِنا أَيُّها الإخوةُ جسديًّا لِنَصُمْ أيضًا روحيًّا. ونَحُلَّ كلَّ وِثاَقٍ ظالم. ونَفُكَّ عُقَدَ المعاملاتِ الابتِزازيَّة. ونُمزِّقْ كلَّ صَكٍّ جائر. ونُعْطِ الجياعَ خُبزًا. ولنُضِفِ المساكينَ الذين لا مأوى لهم. لكي نَنالَ من المسيحِ الإلهِ الرحمةَ العظمى". ( الأربعاء من الإسبوع الأوّل من الصوم).


 

الوضع في أبرشيَّاتنا

المرحلة الراهنة في سوريا تجاوزت قضيَّة المساعدات المحدودة. وهاكم وصفًا للوضع المأساوي في أبرشيَّاتنا السُّوريَّة. إنّنا بحاجةٍ إلى الاطّلاع عليه في الكنيسة وخارجها، في العالم العربيّ وفي المهاجر وفي كلِّ مكان. فالأخبار التي تلاحقونها في وسائل الإعلام لا تعبِّر بكفاية عن الوضع المأساويّ الذي يعيشه المواطنون وبخاصّة رعايانا في أبرشية حمص، وفي أبرشية اللاذقية (منطقة وادي النصارى التي تضمّ 143 قرية) وفي حلب وفي أبرشيَّة حوران وفي أبرشيَّة دمشق العاصمة.

فقد خُطف العديد من أولادنا ودفعوا الأموال الطائلة لتحريرهم. وهناك حوالي 100 من أولادنا قتلوا واستشهدوا وحوالي ألف من المسيحيين من كلّ الطوائف. كما دمّرت أو تضرّرت أو هُجِّرت حوالي 20 كنيسة في المناطق المذكورة، وما عادت تقام فيها الصّلاة. وقد هُجِّر المؤمنون من رعايانا وهُجِّر الكهنة، ولا يتمكَّنون من الوصول إلى رعاياهم وإقامة الصلوات والقداديس فيها، وذلك منذ حوالي سنة وأكثر.
هذا بالإضافة إلى النازحين من المواطنين عمومًا وينوف عددهم على المليونين، ومن أبنائنا ورعايانا أكثر من مئتي ألف شخص. وقد تشرَّدوا في أماكن عدّة ويدفعون إيجارات باهظة، ولا يجدون عملاً. وقد فقدوا بيوتهم وأمكنة عملهم أو مصانعهم أو دكاكينهم ووسائل رزقهم....

بالإضافة إلى هذا، هناك فقراء الأزمة الاقتصاديّة بسبب شحَّة المداخيل وغلاء المعيشة... وهناك الآلاف من الذين هاجروا إلى خارج سورية، إلى البلاد المجاورة، وإلى أوروبا أو أمريكا...

هذه صورة باهتة من وضع رعايانا. ناهيك عن أوضاع طلابنا، الذين تتعثّرُ دراستُهم بسبب الأخطار المحيطة بالمدارس. ومنها من أغلقت أبوابها، أو انتقلت إلى مكان آخر أكثر أمنًا حيث قد لا تتوفّر شروط الدرس والتحصيل... ومنها مدرستنا الجديدة في دمشق على طريق المطار ( في المليحة ) وهي تضمّ حوالي 2200 طالب وطالبة، وقد أصابتها قذائف وأحدثت فيها أضرارًا كبيرة، وقد انسحب عددٌ كبيرٌ منهم بسبب الوضع الأمني هناك، وأمَّا الباقون فقد نقلناهم إلى المدرسة البطريركيَّة القديمة قرب الكاتدرائيَّة.

هذا ناهيك عن الحالة النفسيّة التي تجتاح رعايانا: الشكّ، الخوف، الترقُّب، فقدان الأحباب: زوج – ولد – قريب - مخطوف – مفقود...

وهذه لائحة بالمناطق التي تضرّرت أكثر من غيرها بطرق مختلفة:

أبرشيَّة حمص عمومًا: المطرانيَّة والكنائس – حمص المدينة – القصير – الدمينة الشرقيَّة – ربلة – مزار مار الياس – جوسي – يبرود ثمّ حصن الأكراد.
أبرشيَّة اللاذقية: منطقة مرمريتا وسواها...

حلب: خصوصًا المطرانيّة وكنائس ومؤسّسات وقلب المدينة في حيّ الصليبي.
دمشق وضواحيها: خصوصًا بلدات الزبداني – حرستا – داريَّا (مدينتي) – دوما – عين ترما – حيّ القصَّاع في دمشق- جرمانا- إلخ...

 هذا بالنسبة لمناطق تواجد رعايانا. وهناك بلدات أخرى كثيرة في جميع المناطق...

الكنائس تساعد:

الكنائس كلّها تعمل ما في وسعها للمساعدة وتخفيف معاناة الرعايا... وندقُّ الأبواب شرقًا وغربًا محليًّا وعالميًّا، لكي نحصل على ما يمكِّننا من متابعة خدمتنا وواجبنا تجاه أولادنا لا بل تجاه كلّ من يلجأ إلينا بدون تمييز بين طائفة وأخرى، مسيحيِّين ومسلمين.

إنَّنا نجدِّد شكرنا لجميع الذين ساعدونا في سورية وخارجها.
ولسنا ندري كيف يمكننا أن نتابع مشاريع المساعدة المتنوِّعة: المواد الغذائيّة، التدفئة، الإيجارات، الأقساط المدرسيّة، الأدوية...

من أجل ذلك وضعنا هذه الرِّسالة في مطلع الصَّوم الأربعينيّ المبارك لكي نوثِّق بعض نواحي مأساة وطننا، ولا سيِّما رعايانا، ولكي نُشرك أبناء وبنات كنيستنا الروميّة الملكيّة الكاثوليكيّة في العالم أجمع بهذه الهموم والمسؤوليات الجسيمة الملقاة على كاهلنا نحن كبطريرك مع إخوتنا رعاة أبرشيَّاتنا لا سيِّما في سورية.

 

نداء للتضامن

أصدرنا نداءً للتضامن في رسالة الميلاد، وهذا بعض ما جاء فيه:
مع اقتراب عيد الميلاد المجيد، وفي الوضع الراهن الذي يعيشه أولادنا في سوريا، أتوجَّه إلى إخوتي السادة الأساقفة في البلاد العربيَّة وبلاد الاغتراب، وإلى الرهبانيَّات الرجاليَّة والنسائيَّة، وإلى كهنتنا والعلمانيِّين، خصوصًا رجال الأعمال والمقتدرين والذين لديهم علاقات على مستويات مختلفة، وأدعوهم إلى التضامن مع رعايانا في سوريا، لكي تساعدونا على تأمين حاجات أولادنا الملحَّة والمباشرة، خصوصًا بالنسبة للنازحين في داخل البلاد.كما علينا ومن واجبنا أن نفكِّر بالمستقبل حيث علينا أن نجابه مشاكل خطيرة، منها:

- بناء أو إعادة إعمار أو إصلاح كنائسنا (خاصَّة في أبرشية حمص).

- بناء أو إعادة إعمار أو إصلاح بيوت رعايانا أو مساهمة في ذلك مع الدولة والمؤسَّسات الأخرى.

- المساعدة في حلِّ مشاكل مختلفة مثل الإيجارات، المدارس، المساعدة الصحية، ونفقات الأدوية...

إنَّ مساعدتكم يمكن أن تكون عينيَّة، مشورة، أو توسُّطًا لدى أشخاص متموِّلين، مؤسَّسات غير حكوميَّة، مؤسَّسات عامَّة، شركات...إنَّ مساعدتكم ثمينة! وتضامنكم ضروري! ولنا بكم ثقة كبيرة! ساعدونا لكي نساعد ونخدم ونعزِّي، ونقوِّي ونثبِّت المؤمنين في أرضهم ووطنهم وبيوتهم وأرزاقهم، في هذا البلد الذي يدعى بحقٍّ "مهد المسيحيَّة".

 

لجنة تضامن

وقد فكَّرنا أنّه من الضروريّ تأليف لجنة تضامن مركزيّة في سوريا تحت إشرافنا لأجل تحقيق مضمون هذا النداء. ونقترح تأليف لجان فرعيّة في كلٍّ من لبنان ومصر والأردن والعراق والكويت وكذلك في أبرشيَّاتنا في بلاد الانتشار، وفي مراكز رعايانا في أوروبا الغربيّة.

وإنَّنا نأمل من إخوتنا المطارنة أن يساعدونا في هذا المضمار، ويعملوا على اقتراح أسماء رجال أعمال من أبرشيَّاتهم، وممّن لهم علاقات عالميّة واسعة، ليكونوا أعضاء في كلِّ لجنة محليّة. ومن خلال ذلك نأمل أن نكون في جهوزيّةٍ عمليّة لمواجهة تحدّيات المستقبل الذي ينتظر رعايانا وحضورنا المسيحيّ.

 

التضامن فعلُ إيمانٍ ومحبّة

التضامن ينبع من الإيمان بأنّنا كنيسة واحدة وجسم واحد وأسرة مسيحيّة واحدة ووطن واحد. والإيمان يترجم بالأعمال الصالحة ولا سيِّما بالمحبّة الفاعلة نحو المحتاج. وهذا المحتاج هو ابن كنيستنا.

إلى هذا أشار قداسة البابا بندكتوس السّادس عشر في رسالته عن الصوم لهذا العام وهي بعنوان: " الإيمان بالمحبّة هو دعوة إلى المحبّة "، لا بل إنَّ المحبَّة هي البرهان على أنَّ الله هو بيننا، كما يقول قداسته.

ويتابع قداسته: "الإيمان بدون الأعمال هو كالشجرة بدون ثمر. فالإيمان والمحبّة مرتبطان. وإلى هذا يدعونا الصوم الحاضر... بحيث ننمو معًا في محبّة الله ومحبّة القريب، وذلك من خلال ممارسات الصوم: الصيام والتوبة والصدقة" (الرقم 3).

إنَّ التضامن اليوم هو ضرورة ملحّة وهذا نداؤنا إلى جميع مسيحيّي الشرق في كلِّ البلدان وكلِّ الطوائف. علينا أن نتَّحد معًا ونتضامن لكي نواجه تحدِّيات الأوضاع الراهنة بالنسبة لحاجات أبناء وبنات رعايانا. ولأجل الحفاظ على الحضور المسيحيّ ومعالجة مشاكل الهجرة، وما نسمعه من برامج لتفريغ المشرق العربيّ المسيحيّ من المسيحيين.

القضيّة الآن هي أن نكون أو لا نكون. ولهذا فإنّ دعوتَنا لتأليف لجنة تضامن في أبرشياتنا في البلاد العربيّة وفي المهاجر هي قضيةٌ تتعلّق حقًّا بمصير المسيحيّين في الشرق: أن نكون أو لا نكون.

نريد أن نكون متفائلين. وتضامننا كلّنا من كلّ مكان هو الدواء الحقيقيّ للتشاؤم والخوف والإحباط واليأس والريبة.... والتضامن هو المحكُّ الحقيقيّ لكي نبرهن أنَّنا كنيسة "قويّة متماسكة" متضامنة قادرة على مجابهة الصعاب مهما عظمت، معتصمة بالإيمان والمحبّة، وبالاتكال على العناية الإلهيَّة التي تؤكّد لنا: "شعرة من رؤوسكم لا تسقط بدون إذن أبيكم الذي في السماوات" (لوقا 21: 18 - 19).

 
خبرة القدِّيس بولس في المضايق:

خبر بولس أوضاعًا صعبةً جدًّا ومأساويّةً مماثلةً لما نحن فيه اليوم في سوريا وسواها، وربّما أشدَّ صعوبة، يصفُها في مواقعَ كثيرة من رسائله. ومع ذلك بقي قويًّا في قناعاته المستندة إلى إيمانه بالإنجيل ومحبّته للمسيح. يقول: "يا إخوة إنَّ الله الذي أمر أن يشرق من الظلمة نور، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفةِ مجدِ الله في وجه يسوع المسيح. ولنا هذا الكنز في آنيةٍ خزفيَّة. ليكون فضل القوَّة لله لا منَّا. وفي كلِّ شيء نحن متضايقون، لكنَّا غير منحصرين. ومتحيِّرون لكنَّا غيرُ يائسين. ومضّطَهدون لكنَّا غيرُ مخذولين. ومطروحون لكنَّا غيرُ هالكين. حاملون في الجسد كلَّ حين إماتة يسوع، لتظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا. لأنّا نحن الأحياء، نُسلَمُ دائمًا إلى الموت من أجل يسوع، لتظهرَ حياةُ يسوع أيضًا في جسدنا المائت" (2 كورنثس 6:4 - 11).

 

سنبقى نتواصل

إلى هذا أدعوكم أيُّها الإخوة والأخوات في مطلع هذا الصيام المبارك وسنوافيكم في حينه، ومن خلال موقعنا الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، بنتائج مساعينا لتأليف اللجنة المركزيّة واللجان الفرعيّة للتضامن المنشود، والذي سيكون خشبة الخلاص لحضورنا وشهادتنا وشركتنا وخدمتنا في هذا الشرق مهد المسيحيّة.

 

التضامن للشركة والشهادة

وإنّنا نستنهض بهذه الرسالة همم جميع أولادنا في كلِّ مكان، لكي نسعى بكلِّ الوسائل لجمع ما يمكِّننا من مجابهة التحدّيات. وندعو إخوتنا المسلمين لكي يدعموا مساعينا للحفاظ على حضورنا المسيحيّ معهم ولأجلهم. وهم يعلمون كم كان هذا الحضور المسيحي ولا يزال هامًّا وفعَّالاً في تاريخ العالم العربيّ على كلّ الأصعدة. ويعلمون كم أن مؤسّساتنا التربويّة والثقافيّة والصحيّة والدينيّة والاجتماعيّة والفكريّة هي في خدمة جميع المواطنين بدون تمييز. كما أنَّ مساعداتنا اليوم تشمل الجميع بدون تمييز. وهذه كلُّها مهدَّدة بالزوال إذا تقلَّص الحضور المسيحيّ في المنطقة.

فالتضامن المسيحيّ يجب أن يكون تضامنًا مسيحيًّا_إسلاميًّا، لأنّ الغاية هي خدمة مجتمعاتنا وأوطاننا العربيّة بدون تمييز كما كان دأبنا في التاريخ. وعلينا أن نتضامن مسيحيين ومسلمين لأجل مستقبل أفضل لأجيالنا الطالعة.

قيل عن المسيحيّين الأوَّلين، لا سيِّما في أنطاكية حيث دعوا أوَّلاً مسيحيين: " انظروا كيف يحبُّون بعضهم بعضًا". نحتاج اليوم إلى هذه الشهادة. فهذه المحبَّة هي خشبة الخلاص للكنيسة في الشرق الأوسط لكي تكون شركة وشهادة.

هذا هو موضوع الإرشاد الرسوليّ وخلاصة السِّينودس لأجل الشرق الأوسط الذي عقدناه في روما في تشرين الأوَّل 2010 قبيل اندلاع الأزمات في الشرق الأوسط.

 

إسهروا وسيروا في المحبّة

وأذكّركم أيّها الأحبّاء بشعاري الكهنوتيّ والبطريركيّ: "إسهروا وسيروا في المحبَّة". الآن نحن كلُّنا مدعوُّون ليكون هذا الشعار البطريركيّ شعار كنيسة الروم الملكيّين الكاثوليك. ويقول الكتاب: "الغلبة التي بها نغلب هو إيماننا!" (1 يوحنَّا 5: 4) وأزيد الغلبة محبّتنا!

هذا هو ندائي في مطلع هذا الصّيام المبارك، في مسيرتنا الصّعبة، مسيرة درب صليب بلدنا سوريا، وبلادنا العربيّة المتألّمة، وصليب أولادنا، إلى أفراح القيامة وآمال القيامة، وربيع القيامة.

وفي الختام ندعو الجميع كعادتنا إلى ممارسة الصوم والقطاعة والصلوات والإماتات والتقشّف وعمل الخير وممارسة الفضيلة والتراحم والمودّة والمغفرة والتسامح والتواصل والمحبّة. (راجع الملحق في آخر هذه الرسالة)

 

التضامن في صلوات الصوم

ونجدِّد دعوتنا إلى الصوم والصلاة كما فعلنا في رسالة الميلاد 2012، وإلى إقامة الصلوات اليوميّة في جميع كنائسنا بخاصّةٍ لأجل المصالحة، والحوار، ولأجل الأمن والأمان والسلام لسوريا ولبلادنا العربية.

قناعتنا ثابتة: المصالحة هي خشبة الخلاص. لا بل الغلبة الحقيقيَّة للجميع تكمن في إلقاء السلاح وإيقاف التسلّح مهما كان مصدره. وهذا فقط هو مقدّمة المصالحة الحقيقيَّة.

ومن جديد نسمع صوت صلواتنا، صوت آبائنا القدِّيسين، صوت التقوى والإيمان والرجاء والمحبّة: "لنَبتَدِئْ بالإمساك الكامل الإكرامِ مسرورين. متلألئينَ بأشعَّةِ أَوامِر المسيحِ إلهِنا المقدَّسَة. بضِياءِ المحبَّة السَّاطع. وبَرْقِ الصَّلاة. وطهارَةِ العَفاف. وقوَّةِ الشجاعة. لكي نَبْلُغَ مُضيِئينَ بنُورِ عدمِ الفساد. إلى قيامةِ المسيحِ المقدَّسة. الثُّلاثيَّة الأيَّامِ المبهجةِ المسكونة"  (الاثنين من الأسبوع الأوّل من الصوم).

صوم مبارك للجميع

مع بركتي ومحبَّتي ودعائي

+ غريغوريوس الثّالث

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
والإسكندريَّة وأورشليم

 



 

مـلحـق


معنى الصَّوم والقطاعة

الصومُ هو الامتناع عن كلِّ مأكل ومشرب، من نصف الليل وحتَّى الغروب. وهكذا يتناول الصائم وجبة واحدة في اليوم وعمومًا بعد صلاة الغروب أو رتبة الأقداس السابق تقديسها.

الصومُ الإفخارستيّ أو القرباني: الصوم بهذا المعنى مرتبطٌ بالاحتفال بالليترجيّا الإلهيّة وبتناول القربان المقدّس. حسب التقليد القديم على المتقدّم إلى المناولة أن يكونَ صائمًا عن كلِّ مأكل ومشرب.
فالمناولة تنهي الصوم (تكسر الصوم)، سواءٌ كان ذلك خارج أيَّام الصَّوم أو في أيَّام الصَّوم الكبير. وفي هذه الحالة ينهي الصائمُ نهاَره وصومَه بالاحتفال بليترجيّا الأقداس السابق تقديسها، وهي رتبة الغروب مع مناولة احتفاليّة. وينتهي صوم بارامون الميلاد والغطاس أو الظهور الإلهي بليترجيّا القدّيس باسيليوس الكبير تسبقها رتبة صلاة الغروب. وينتهي صوم الأيّام الثلاثة الأخيرة في الأسبوع العظيم المقدّس بالمناولة الفصحيّة صبيحة أحد الفصح.
القطاعة هي الامتناع عن اللحم ومرق اللحم، وعن البياض، أعني البيض والجبن والألبان والزبدة إلخ... أمَّا السَّمك فُيسمَح به في أيَّامٍ معيّنة. وكذلك الزيت والخمر يسمح بهما في أيَّامٍ معيّنة.

 
حكمة الأصوام

يعتبر الآباء القدِّيسون الصيامَ الأربعينيّ الكبير كتأدية العُشر لله (في الواقع 40 هو تقريباً عُشر 365 يومًا). والوصيَّة تقول: أَوْفِ البرَكة أي العشر. يضاف إليه صوم الميلاد والرسل والسيدة. وتتوزَّع هذه الأصوام الأساسيَّة الأربعة علي فصول السنة الأربعة لتقدِّس السنة كلّها: صوم الميلاد للخريف، الصوم الأربعينيّ للشتاء، صوم الرسل للربيع وصوم السيدة للصيف.

وهكذا فإنَّ المسيحيّ المؤمن المواظب على الأصوام المختلفة، يبقى على اتصال دائم بالرياضات الروحية والممارسات التقشُّفيَّة، وفي يقظةٍ روحيَّةٍ لعمل الروح فيه. ويحافظ بذلك على "لياقة" النفس والجسد في آن واحد.

كثيرون يقصدون الأطبَّاء والعلماء لكي يحصلوا على المعلومات الوافية للمحافظة على صحَّتهم الجسديَّة. وكم تكون دهشة الكثيرين إذا علموا أنَّ حكمة الكنيسة في توزيع الأصوام تتوافق مع التوجيهات الطبِّيَّة. لا بل تفوقها لأنَّها تهدف إلى صحَّة النفس والجسد. وهكذا يتمُّ قول السَّيِّد المسيح المعلِّم الأكبر: "اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبرّه وهذا كلّه يُزاد لكم". ويقول: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكلِّ كلمةٍ تخرج من فم الله"، وهذا كان جواب يسوع للمجرِّب في البرِّيَّة. ويقول بولس شارحًا معنى الصَّوم الحقيقيّ: "إنْ أكلتم أو شربتم أو مهما عملتهم فاعملوا كلَّ شيءٍ لمجدِ الله". ويقول أيضًا: "مجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم أيضًا".

 
قانونُ الصَّوم والقطاعة
في كنيسة الرُّوم الملكيِّين الكاثوليك

عالجت مجامعُ كنيسةِ الروم الملكيين الكاثوليك مسألةَ الصومِ والقطاعة مرارًا وخاصَّةً في الخمسينات (1949-1954). وكان التوجُّه العامّ، خصوصًا بعد المجمع الڤاتيكاني الثاني، أن ينظِّم كلُّ مطرانٍ قانون الصَّوم والقطاعة المناسب لأبرشيَّته.

بالرغم من هذه التفسيحات التي توضع لظروف حياتيّة مختلفة فإنَّ قانون الصوم حسب التقليد الشرقيّ العامّ لا يزال متَّبعًا لدى عدد لا بأس به من المؤسّسات الرهبانيّة والأفراد.

الطُّقوس الخاصَّة بزمن الصِّيام الأربعينيّ الكبير

رتبة الأقداس السَّابق تقديسها: إنَّ الكنيسة البيزنطيَّة لا تقيم القدَّاس الإلهيّ أيَّام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة من أسابيع الصَّوم، ويومَي الأربعاء والجمعة من أسبوع مرفع الجبن، وذلك دليلاً على التوبة التي يجب أن ترافق الصوم. ولكي لا تحرم مع ذلك أبناءها نعمة الاغتذاء بجسد الرَّبّ، تحفظ الأجزاء الإلهيَّة التي يتمّ تقديسها أيَّام السُّبوت والآحاد وتوزّعها عليهم عشيّة أيَّام الصَّوم المذكورة أعلاه، في آخر رتبة الغروب، وتقام إذ ذاك هذه الرُّتبة في إطارٍ خاصّ، ندعوه "رتبة الأقداس السَّابق تقديسها" ويُقال لها باليونانيَّة "البروجيازمينا". أمّا في كنيستنا الرُّوميَّة الملكيَّة اليوم، فقد عمّت العادة ألَّا تقام هذه الرتبة إلا في يومَي الأربعاء والجمعة من أسابيع الصَّوم، وفي الأيَّام الثلاثة الأولى من أسبوع الآلام. أما في باقي أيَّام الصَّوم، فيُقيم الكهنة قدَّاس يوحنَّا الذَّهبيّ كالمعتاد، ويتلون فيه أناجيل ورسائل خاصّة.

صلاة النوم الكبرى: يُحتفل بهذه الصَّلاة مساء الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس من أسابيع الصَّوم، وتُعرَف بصلاة "يا ربَّ القوَّات".

رتبة المدائح: ويُقال لها باليونانيَّة "الأكاثستوس"، تُقام مساء الجمعة من الأسابيع الخمسة الأولى من الصَّوم، إكرامًا لوالدة الإله الفائقة القداسة.

قدَّاس القدِّيس باسيليوس: يُحتفل به في كلِّ آحاد الصَّوم ويومَي الخميس والسَّبت من أسبوع الآلام.