صاحب الغبطة يوسف

معايدة صاحب الغبطة البطريرك غريغوريوس الثّالث بعيد الأضحى المبارك لعام 2014

٤ ١٠ ٢٠١٤

 

 
بروتوكول 592/2014ر
   الربوة في 1/10/2014
 


معايدة  صاحب الغبطة البطريرك غريغوريوس الثّالث
بعيد الأضحى المبارك لعام 2014

 
إلى إخوتنا وأخواتنا المسلمين في العالم العربي وخارجه!

إليكم نتوجَّه بتحيَّةٍ عزيزة على قلوبنا جميعا: السلام! السلام عليكم والسلام لكم. وهي تعبِّر عن أغلى أمانينا لعالمنا، ولاسيَّما العربيّ، الممزَّق والدامي بسبب الحروب التي تشتعل في مناطق واسعة منه على مدى السنوات الأربع الماضية، لاسيَّما في شمال أفريقيا من جهة، ومن جهةٍ أخرى في سوريا والعراق ولبنان وغزّة.

لقد أخذت الحرب صورة أشدَّ بشاعة ودمويَّة، بسبب ظهور وتطوُّر الفئات التكفيريّة التي تجتاح مناطق واسعة في شرقنا، مهد الديانات والحضارات، كما تهدِّد الغرب أيضًا. إنَّنا كشركاء لإخوتنا المسلمين لاسيَّما في العالم العربي، نعتبر أنَّ التحدِّي الأكبر الذي يواجهه الإسلام والمسلمون، لاسيَّما في العالم العربي، هو هذه الفرق التكفيريَّة. والتحدِّي الأكبر أيضًا هو موقف الدول والمؤسَّسات الإسلاميَّة الدينيَّة والمدنيَّة تجاه هذه الفرق التكفيريَّة التي تهدِّد الإسلام والمسيحيَّة، والمسلمين والمسيحيين في قيمهم الإيمانيَّة المشتركة، وفي القيم والحقوق والثوابت الإنسانيَّة التي هي التراث العالمي العامّ للبشريَّة بأسرها.
لا أكون متطفّلاً على عالم أحبّه، وأنا منه وله، إذا عبّرت عن أمنية غالية. ولا أكون مغاليًا إذا قلت بجرأةٍ إنها أمنية الأغلبية، لا بل الأغلبية الكبيرة. هذه الأمنية هي مجموعة من شقين: أوّلها وأهمّها أن يعمل فقهاء الإسلام والمسلمين ومفتوهم وملوكهم وأمراؤهم ورؤساء حكوماتهم ودولهم على مصالحة عربية شاملة، تبدأ مع هذا العيد الفضيل. وثانيها هي تكوين مجموعة عربية، وأجرؤ أن أقول إسلامية مسيحية، تعمل على وضع ميثاق عربي جديد يلبّي تطلعات الأجيال الشابّة في دولة حديثة يتضامن فيها الدين والدولة، بحيث يتوفّر المجال الطبيعي المتناغم لكلّ منهما، وتتناغم فيها الشريعة الحنيفة والمواطنة واحترام الحريّات، لا سيما حرية العبادة والمعتقد للجميع من كلّ الطوائف والأطياف.

وانطلاقًا من ذلك، يعمل مفكرو المجتمع العربي على وضع جدول أعمال لبرنامج ثقافيّ فكري نابع من إيماننا وقيمنا وتراثنا وتاريخنا وعيشنا المشترك، ويُفسَح فيه المجال للدولة العربية الحديثة التي يمكنها أن تتصل، بنجاح وبهوية مييّزة، بالزمن والعصر ومتطلبات المجتمع المدني المنفتح، بحيث نحافظ فيه على قيمنا الإيمانية، مسلمين ومسيحيين، ونلبّي متطلّعات الأجيال الشابة الطالعة. كما ندعو إلى إيصال هذه الرؤية إلى المدارس والمعاهد والجامعان والمؤسسات الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني، وعلى كافّة المستويات.

وهكذا يأخذ عالمنا العربي المبادرة تجاه ما يُخطَّط لما نسميه النظام العالمي الجديد، فنكون نحن صانعي خريطة طريق هذا النظام الجديد والعالم العربي الجديد الذي يَرسم مستقبل الأجيال ومكوّناته المتنوّعة في عالم كبير مليء بالمتغيّرات، حتّى لا يفوتنا قطارُ العالمِ السريعُ التطوّر.

وكم نفرح إذ نقرأ، يومًا بعد يوم، تصريحات تصدر من مراجع دينية، إسلامية، عربية، مسيحية  شرقية وغربية تنشر فكرًا إسلاميًا متنوّرًا وتدعو إلى نبذ إيديولوجيا الفرق التكفيرية والتأكيد على الرؤية الأصيلة لقيم الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله والتي هي أساس حقوقه وما يسمّى شرعة حقوق الإنسان.

إنَّنا نصلِّي لأجل إخوتنا المسلمين، شعوبًا وحكامًا، رجال دين وسياسة وفكرٍ وعلم، لكي يقفوا معًا صفًا واحدًا ضدَّ هذه الفرق التكفيريَّة. إنَّ هذا الموقف الموحَّد الواضح الفاعل، تجاه وضدّ هذه الفرق التكفيريَّة، هو ضمانة للعالم الإسلامي وضمانة للقيم الإيمانيَّة في الإسلام، وضمانة وطمأنة للمسيحيين في هذا الشرق العربي مهد المسيحيَّة والديانات والحضارات.

لا بل نعتبر أنَّ الوقفة الإيمانيَّة المتضامنة الموحَّدة الفاعلة هي أقوى من الموقف الحربي العربي والعالمي. فالإيمان هو القوَّة التي تفوق الأسلحة! هذه قناعتنا جميعًا.

ونرفع أيدينا ضارعين في كنائسنا لكي يزيل الله تعالى عن بلادنا هذا الكابوس، كابوس الحرب والقتل والدماء والدمار والاعتداءات التي تقوم بها الفرق التكفيرية على كرامة الإنسان وقيمته الروحية وعرضه وبيته وممتلكاته وأسباب معيشته واقتلاعه من أرضه وأرض أجداده وتشريده وقتل الأمل والرجاء في قلبه بمستقبل مشرق، لاسيَّما لأجيالنا الشابَّة، التي تتطلَّع إلى حياة يشعر فيها كلّ إنسان أنَّه مكرَّم مقدَّر، مقبول، له ظروف الحياة الكريمة، وتلبَّي تطلُّعاته إلى متابعة العيش المشترك، والعمل المشترك، والأمن والأمان والتواصل والتراحم والغفران والتضامن والمحبَّة والسلام!

أعيادنا هي أعياد إيماننا وقيمنا وقناعاتنا. ولهذا السبب فهي أعياد مشتركة لنا مسيحيّين ومسلمين. ولهذا فإنَّنا نعايد إخوتنا المسلمين بعيد الأضحى المبارك، ملوكًا وأمراء وحكامًا ورؤساء دول. ونشكر الذين يشاركوننا أعيادنا ويرسلون لنا رسائل المعايدة. ونعتبر هذه الرسالة معايدة خاصّة بكل واحد منهم!

أتوجّه بهذه الأماني الصريحة الصادقة النابعة من قلب عاشق لهذا العالم العربي العظيم، ولهذا المشرق مهد الديانات والحضارات والذي يقال عنه بحقٍّ "من الشرق يأتي النور"

من خلال هذه الأماني ومن خلال تحقيقها، نأمل أن يجد العالم العربي لنفسه مقامًا خاصًّا، فلا يكون تابعًا، ولا مقلِّدًا ولا مقصِّرًا ولا لاهثًا وراء الآخر مهما كان هذا الآخر، ولا يكون عرضة للاستغلال والشرذمة والابتزاز.

لأجلكم جميعًا يا إخوتنا وأخواتنا الأحبَّاء نرفع أدعيتنا، ولكم نقدِّم أجمل آيات معايدتنا وأمانينا بعيد سعيد!

والله من وراء القصد.

وكل عام وأنتم بخير

 

+ غريغوريوس الثَّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم الملكيّين الكاثوليك